الأحد، 6 أكتوبر 2013

حقـــوق الانســـان والمــبادئ الدستورية بدأت من مصر القديمة

حقـــوق الانســـان والمــبادئ
الدستورية بدأت من مصر القديمة
للمستشار الدكتور /
عماد النجار
رئيس محكمة الاستئناف سابقا
مقدمة
          إن المصرى القديم هو أول من أمسك بالقلم وقد صنعه من غاب النيل وسيقان البردى التى أبدع منها ورق البردى ليسجل أفكاره ويكتب تاريخه فكان أول من صنع ورق الكتابة من نبات البردى ومازالت كلمة بردى تتردد فى لغات العالم حيث يطلق على الورق فى اللغة الانجليزية paper  وهى منحوتة من كلمة بردى وهى فى اللغة الفرنسية papies  وهى من ذات المصدر بردى وهكذا فى سائر اللغات الحية حيث استضافت هذه اللغات كلمة الورق من كلمة بردى – وكان المصرى القديم هو أول من اخترع حبر الكتابة من عصير نبات النيلة الذى ينبُت على شاطئ النيل وقد أطلقوا على النهر نهر النيل لوفرة هذا النبات على شواطئه وهو أول شعب خط لنفسه أبجدية فى الوجود فجمعت بين الفن والعلم والأدب فجعل الكتابة فنا جميلاً ورائعاً ولم يترك المصرى القديم فنا ولاعلما إلا كان له رائدا ومنشئا سواء فى الطب والهندسة والفلك والتشييد والأديان وسائر المعارف فكانت يحق أم الدنيا حتى أن أول خطاب السماء كان على المصريين فى أرض مصر على يد النبى إدريس عليه السلام سنة 9500 قبل الميلاد  .
          وكانت مبادئ العدالة والاحكام الدستورية المعروفة الآن قد بدأت من مصر القديمة وفى هذا المقال نتحدث عن المبادئ الدستورية فى مصر القديمة ونستعمل كلمة الدستورية وهى ليست كلمة عربية أو مصرية قديمة وإنما هى كلمة فارسية استضافتها العربية بمعنى المبادئ الحاكمة فى المجتمع وعلى السلطات المختلفة فى المجتمع النزول على مقتضياتها وإعمالها .
          ويمكن التدليل على سبق الحضارة المصرية القديمة فى إرساء هذه المبادئ فيما يلى :-
          أولاً :-
وأول من عرف هذه المبادئ المؤسسة للعمران والتقدم كان المصريون ذلك أن هذه المبادئ الكبرى فى التاريخ الانسانى وهى المبادئ الحاكمة لتقدم البشرية والنهوض بالانسان أول ماعرفها الانسان كانت بشرى السماء إلى المصريين يحسبانهم أول مجتمع منظم ومستقر على سطح الارض وقد بشرت السماء هذا المجتمع على لسان أول بنى فى التاريخ الانسانى وهو النبى ادريس وذلك سنة 9500 قبل الميلاد حيث نزل هذا النبى برسالة قوامها الحق والعدل والاستقامة وهى المبادئ الاساسية لارتقاء البشر وبغيرها لا يرتقى الانسان ولا يرتقى المجتمع ، ذلك أن الحق قيمة انسانية رفيعة والعدل كذلك فضلاً عن الاستقامة وتجاوز هذه المبادئ لا يُمكِّن للمجتمع ولا للإنسان فيه أن يرتقى ويتحضر وهى قواعد كلية فصلتها الأيام وفسرتها الأزمان لتفى بالغاية  الإنسانية الرفيعة منها - وليس فى وسع مجتمع أن يسود ويرتقى اذا ما ضاع الحق فيه وانسحب العدل منه واختفت الاستقامة فى ربوعه – ولذلك يعد النبى إدريس هو باعث المبادئ الضرورية لارتقاء الانسان التى تطلبها الخالق لكمال خلقه بوصفه أول نبي في التاريخ الإنساني ، ولذلك يقول فيه القرآن الكريم . "واذكر فى الكتاب ادريس  انه كان صديقاً نبيا ورفعناه مكانا عليا" (1) وكلمة عليا تشير الى سبقه الأنبياء جميعاً وتبليغه أهم قواعد العمران والتقدم وهى الحق والعدل والاستقامة – ولقد جمعها المصريون القدماء فى كلمة واحدة هى ماعت وكانت هذه الكلمة هى الغاية التي يتقربون بها إلى خالقهم وبعث المكانة والسمو والحضارة فى ربوع بلادهم وهذه المبادئ هى وسيلتها في التقدم والارتقاء .   
          ثانياً :-
أن أول خطاب للملك مينا الذى وحد القطرين الشمالى والجنوبى بعد انفصالهما عدة مرات وظلت فكرة التوحيد بين الوجهين حقيقة سارية منذ الملك ميناقبل ستة آلاف سنة قائمة إلى الآن وكانت مصر فى  هذا التاريخ القديم هى أول دولة فى التاريخ الانسانى صاغت قواعد الحكم وابداع القواعد المنظمة للسلطة فى مواجهة المواطن وحق المواطن فى مواجهة السلطة أو بعبارة آخرى فهى أول دولة أنشأت القواعد الدستورية كما نطلق عليها الآن حيث أبدعت قواعد الحق والعدل والمساواة واحترام الآخر وكساء العارى واشباع الجائع وهذه هى المبادئ الدستورية الآن التى تحرص جميع الدول المتقدمة على الأخذ بها وإعمالها . 
          وسوف نقدم فيما يلى الوثائق والمستندات الدالة على سبق مصر القديمة فى التاريخ الانسانى فى الاخــذ واعتبار وتطبيق  المبادئ الدستوريــة فــى عصورنــا الحديثة
وهو ما نتناوله تباعاً فى النقاط التالية :-      
          1- يقول الملك مينا موحد الوجهين(2) فى بداية حكمه مايلى وذلك فى احتفــال عــام أقيم بمناسبة اعلان توحيد الوجهين وقيام الدولة المصرية الموحدة يقول : " بداية احمد الله العظيم فى عليائه على بلوغنا هذا اليوم العظيم وتحقق هذا الحلم التاريخى الذى كانت تتوق له الافئدة قبل العقول فى عهدى – واشكر الشعب المصرى العظيم على مساندته للوحدة والوقوف الى جوارها والتضحية بكل غال وثمين حتى نصل الى هذا اليوم المشهود .
          وأدعوا الجميع حكاماً ومحكومين إلى الالتزام بتعاليم الاله العظيم فى سمائه والحفاظ على أرض مصر ودعم أركان وحدتها دائماً وأبدا – والتخلق بقيم واخلاقيات الحرية والعدالة والايمان والتحضر والنظام والمساواة والحكمة والمحبة والتكافل والتسامح والسلام والأمان لأننا أول أمة ظهرت للعالم وابدعت الحضارة المبنية على الحق والخير والجمال .
          إذن فلنكن سباقين كما نحن الآن فى كل ميادين الخير والعدل والمساواة والتقدم والرخاء  وادعو من اعماق قلبى أن يكون العلم والدين نبراسا لكم وللامة المصرية فى تاريخها اليوم والى أبد الآبدين حفظ الله مصر وارضها وشعبها ودولتها وحفظ الاله الانسان المصرى ونهر النيل اللذين ابدعا ولا يزالان يبدعان حضارة وادى النيل العريقة والى لقاء قريب ومنجز تاريخى جديد " .
          فاذا كانت هذه هى سياسة اول ملك فى ظل التوحيد الأخير للقطرين الشمالى والجنوبى وماتضمنه هذا الخطاب من اهتمام بالانسان المصرى وحمايته وحماية قيمه  وإعمال العدل والمساواة والحرية والعدالة والتحضر بين المواطنين .
          وهذا هو الميثاق الأول فى التاريخ الذى حدد صلاحية الملك حيث يركز على مبدأ التوحيد أولاً ثم يلحقه باهمية الحفاظ على الوطن وأخلاقيات الحرية والعدالة والمساواة  والحكمة والمحبة  والتكافل والتسامح  والسلام    بين أفراد المجتمع .
فأول شعب يلتزم ملوكه بأخلاقيات الحرية والعدالة والمساواة بين افراد المجتمع والتكافل والتسامح والسلام وهذه هي القيم الكبرى فى الدساتير المعاصرة فليس ثمة مجتمع متحضر إلا ويقوم على الحرية والعدالة والمساواة وما الدساتير الحالية إلا ترديدا لهذه المعانى ومن ثم كان الشعب المصرى القديم هو مؤسس هذه المبادئ الدستورية التى أصبحت عهداً وميثاقاً للشعوب فى العصور الحاضرة وقد كرستها الأمم المتحدة فى مواثيقها سنة 1948 ، وسنة 1966 حيث أجمعت الأمم على اعتبار هذه المبادئ مع المزيد فى تفصيلاتها هى اساس السلطة فإذا أضفنا الى هذه المبادئ الاساسية الدستورية مبدأ التسامح والتكافل والمحبة شعر الانسان بالسمو والتقدم فى مجتمع يقوم على هذه المبادئ .
          2- ومما يجعل هذه المبادئ الدستورية التى أبدعتها مصر القديمة حقيقة فعلية وليست قولاً مجرداً بل أن الملك خيتى  ملك مصر من الاسرة العاشرة  قال لابنه فى وثيقة ثابتة لابنه وولى عهده الذى يتولى الملك بعده ويدعى ماريكارع يقول له عندما تتولى الحكم من بعدى تحلى بالفضائل حتى يثبت عرشك على الارض هدئ روح الباكى ولا تظلم الارملة ولا تجرد احدا مما يملك ولا تطرد عاملا من عمله ولا تغدر بزميل تلقى العلم معك ولا تكن فظابل بل رحيم القلب واجعل هدفك حب الناس لك – ولا ترفع ابن الشخص العظيم على ابن الشخص المتواضع – وقرب اليك الانسان الكفء وارفع من شأن الجيل الجديد لكى تحبك الرعية  وهذه هى المبادئ الأساسية التى تحرص الدساتير اليوم على النص عليها قيدا للحاكم ودعما للمحكومين هى التى يتحدث عنها المصريون القدماء ملوكا ومحكومين على اساس الحق فى المساواة والعدالة الاجتماعية .
          ثالثاً  :- 
          ولم تكن هذه المبادئ الدستورية فى لغة الملوك فحسب بل أن الشعب تشربها وتمسك بها والزم الحكام بالنزول على مقتضاها فمن يطالع قصة الفلاح الفصيح فى  الاسرة العاشرة حيث الملك حثيتى الثالث من التاريخ المصرى القديم يؤمن بأن المبادئ الدستورية التى نتمسك بها الآن ويحرص على الاستمساك بها ليست إلا صورة متكررة من طبيعة المصريين القدماء حتى أبسطهم مكانه فى المجتمع كهذا الفلاح المصرى القديم وماورد على لسان هذا الفلاح القديم من اقوال ليست الا جوهر المبادئ الدستورية التى نتمسك بها الآن  .
          وتقع قصة الفلاح الفصيح في هذا التاريخ وهو شخص بسيط تعرض لظلم من طرف أحد المسئولين فى  البيت المالك ولكنه حرص على الدفاع عن حقه واعلان شكواه رافضاً الظلم ،  وإن كان من طرف مسئول كبير - منكرا الفوارق الاجتماعية بين الناس فى المجتمع داعيا الى محو الظلم ونشر العدالة وإعطاء كل ذى حق حقه وحماية الفقير من المسئول الظالم وقد حدث لهذا الفلاح البسيط ويدعى خون إنبو الشهير بالفلاح الفصيح أن خرج من قريته فى وادى النطرون  يحمل على حميره محاصيله من ملح ونطرون واعشاب طبية وعطور بقصد بيعها فى العاصمة   ! هناسيا(3).
          وبينما هو وحميره المحملة بهذه البضائع يسير فى طريقة رصده  تحوتى نخت مدير قصر الفرعون بهذه المنطقة وكانت الحمير الكثيرة المحملة بهذه البضائع مثيرة لشهوة هذا المسئول فتربص به بحيلة للظفر بهذه البضائع والحمير ، فأمر رجالة بفرش الطريق بالقماش حتى لا تسير الحمير فى الطريق مما دعا الفلاح إلى السير فى  الأرض الزراعية تجنبا للسير على هذا القماش وتصادف أن امتدت أفواه الحمير لتأكل من هذه الزراعات فقرر ذلك المسئول مصادرة الحمير وما عليها بسبب تطاولها عند سيرها بجوار بعض المزروعات حيث قضمت بعض الحمير بعضا من زراعة القمح- ولما سأله تحوتى كيف تترك الطريق العام وتسير بين الزراعات فرد عليه الفلاح الفصيح بأنه عطل السير فى الطريق العام ولم يكن فى وسعه إلا أن يسير بجانب زراعته .
          ولكن الفلاح البسيط خون إنبولم لم يشأ السكوت على من غصب متاعه وحميره فشكاه إلى قاضى المنطقة ويدعى  رنسى وهدد هذا القائد بالشكوى إلى قاضى عادل معروف بعدله بين الناس وتوجه اليه بشكواه فعلاً – وشرح له تفاصيل شكواه مستنداً الى مايجب  أن يكون عليه المسئول من إحقاق للحق وإعمال للعدل وأنه فى النهاية هو حامى هذه المبادئ وهذه الحقوق - . وما كان قيامه بوظيفته إلا من أجل حماية هذه المبادئ والحقوق ولما أعجب به رنسى حيث احاطه بجوهر شكواه وبلاغته فى التعبير عنها حتى أنه قسم  شكواه الى قاضيه بأسلوب ٍرفيع شديد البلاغة الى تسعة مبادئ يمكن  إيجازها فيما يلي :  إلى الملك فيقول أيها الملك العادل ظل الآلهة فى الارض أنت تجئ كنور للحق وبوجودك يختفى ظلام الباطل وبمجيئك ينتهى الجوع وانت كالثياب وبمجيتك ينتهى العرى وانت عندما تجئ تكون كماء نهر الحياة  وينتهى العطش وانت الدفء لمن اصابه البرد ولا يقوى على مقاومته - واعلم أن العدل فى حكم الناس هو مسئوليتك أمام الله واعلم أنك المسئول عن اختيار قضاتك وأعوانك أمام الله - تم تناول فى شكواه حديثه الى القاضى الذى يسمع شكواه أيها القاضى إن بيدك ميزان العدل وإذا اختل هذا الميزان اختل مركزك امام الناس وأمام الإله .
          أيها القاضى لا تول وجهك للظالم وتولى ظهرك للمظلوم فالاله يراك – واعلم أنك صانع العدل ومن يصنع العدل لا يمكنه أن ينحرف عنه – فلا تترك قلمك يسطر إلا ما يمليه عليك ضميرك – إنك تحاسب الناس فاحكم بالعدل ولا تنسى أن احكامك سوف تحاسب عليها أمام الله – واستمع إلى صوت المظلوم قبل استماعك الى صوت الظالم – واعلم أنك دفة السماء فلا تنحرف .
          ويتناول فى شكواه الاحاطة بمعنى العدل الاجتماعى فيقول كن يامولاى عونا للارملة واليتيم وأخ لمن هجره أهله وستر لمن لا أم له ، وأعلم أن حياة الفقير فى ماله فمن أخذه منه فقد خنقه - وأن أمان الفقير في أمن بيته فإذا فقد أمانه كمن احترق بيته ولما شعر يميل القاضى عنه قال:  أيها القاضى انظر كيف انها رت العدالة تحت قدميك وان سقف دار العدالة يتساوى بالارض – لقد طردت العدالة ولم يعدلها مكان فى البلاد لقد سقطت كفتا الميزان الذى تحمله فكيف ستصل الى الحق وميزان العدالة قد اختل فى يديك - القضاة يسرقون ولا يصاحبون الا أهل الظلم ويغلقون أبوابهم ويسدون آذانهم أمام المظلومين - وإذا سمح القاضى بذلك عم الفقر البلاد - وإذا هربت العدالة عم البلاد الفساد – فكبار الموظفين يأتون السيئات ولايمدون يدهم لمساعدة الفقراء – وصغار الموظفين يمدون أيديهم للرشوة يغتصبونها من الفقراء المحتاجين .
          ثم توجه بخطابه إلى كبار الاشراف  اشراف الملك فيقول ان الكذب مرعاهم الخصيب وقلوبهم عامرة بالهوى ولاوقت عندهم لسماع صوت الفقير وانصافه -  وليس فى محكمة عدالة الارض لأن محكمة السماء هى مكان لسماع شكوى الفقير – وهى  المحكمة الوحيدة التى عليه أن يقدم شكواه اليها .
          وكي يساوى بين الحكام والحكوميين يقول في شكواه عن المساواة - إن الموت يدرك الغنى والفقير على السواء – فلا تظن أنك خالد فالخلود يبدأ بعد خروجك من محكمة الآخرة ومنها ميزان عدالة السماء ، واعلم أنه لا دوام للكرسى الذى تجلس عليه فقد جلس عليه من قبلك وسيجلس عليه من يأتى بعدك – أن البستان الذى يروى ارضه بالخبث ويزرعها بالشر لا يحصد إلا البهتان ولا ينتج بستانه الا الرذائل . لا أمان لمن لم  يكترث بالناس ولا صديق لمن يصم آذانه عن الحق ولا سعادة لمن عاش على الجشع – ولا تغمض عينيك عما تعرف ولا تتجاهل من يقصدك ولا تنهر من استجاربك .
          واعلم أن الاب مسئول عن أولاده والكبير مسئول عن الصغير والحاكم مسئول عن المحكوم والرئيس مسئول عن مرؤوسيه ولو شاء الاله لجعلهم فى درجة واحدة – وبذلك حياة المجتمع وسيحاسب الاله كل واحد عن تأدية الأمانة التى وضعها فى يده والظلم ظلام القلب الذى يفتقد به الحاكم النور الذى  يرى به المظلوم- أو يرى  نفسه ولا يرى الإله الذى لا تغفل عينيه عن مراقبة اعماله ووضعها فى ميزان الحساب  . وأعلم أن همس المظلوم أعلى صوتا من صراخ الظالم وكلما ارتفعت الى أعلى وجه نظرك الى اسفل حتى لا تنسى نفسك وتنسى مسئوليتك أمام الاله الذى رفعك واعلم انه  اذا تغلب الشر على النفس أصبح الانسان اسيرا لهواه وعبدا لغرائزه .
          وفى ختام شكواه يدعو القاضى الى التعجيل بالعدل فيقوله له لا تكن بطيئاً فعجل بقضاء الحق ولا تتحيز ولا تطع قلبك ولا تتجاهل من بقصدك .
          فلا أمان لمن  لا  يكترث بالناس ولا صديق لمن يصم آذانه عن الحق ولا سعادة لمن عاش على الجشع - ولقد قدمت شكواي ولم يسمع إلىَّ احد فلم يعد أمامى  الا أن أتقدم بشكواى إلى انوبيس اله الموت ليرفعها الى أوزوريس اله محكمة الآخرة  وهو الذى يمكنه من حقه وانتهى الفلاح الفصيح الى أنه الآن يريد الموت بعيداً عن العيش مع الأحياء الظالمين -  ويخرج خون أنبو ليعود الى قريته وقد فقد كل ما يملك يائسا من الحياة - غير أن القاضى اطلع الملك على تفاصيل ما دار بهذه الشكوى وأعجب بها الملك ورد على القاضى بأن يتحقق من شرعية ثروة تحوتي  وتبين أن ثمة كسب غير مشروع تقوم عليه ثروته وقد امر الملك بمصادرة هذه الثروة واعطائها الى هذا الفلاح الفصيح ورد اليه حميرة وماعليها من بضائع فعاد الى قريته محملاً بهذه الثروة غانما بما حققته شكواه .
          وهذه الشكوى البليغة التى ساقها الفلاح الفصيح أثر تعرضه لظلم أحد المسئولين هى تطبيق رائع لمبادئ العدالة والمساواة والحفاظ على الحقوق الاساسية لكل مواطن على ارض مصر  وهذه هى التى تطلق عليها اليوم الحقوق الدستورية وهذه الحقوق المؤكدة فى مفهوم الحكام والمحكومين على السواء واستمساك كل المسئولين والمواطنين بها هى أكبر دليل على سبق المصريين القدماء فى تحديد اصول الحكم وعدالته والتزامه بالوفاء بحقوق المواطنين و هو فى الواقع سبق حضارى لا يدانية سبق حضارى آخر ويحسب لمصر سبقها إلى هذه المبادئ  الدستورية منذ القدم من اجل حقوق الانسان التى بشربها أول الانبياء والرسل  سيدنا ادريس  سنة 9500 قبل الميلاد وما قرره الملوك والحكام وما استقر فى ضمير المواطنين العاديين من أمثال الفلاح الفصيح  .
          رابعاً  :-
          ومن يطالع التاريخ المصرى القديم يفاجأ بأن قواعد دفن الملك تبدأ بتحنيطه وهى عملية اشبه بالمعجزة لم يتوصل العلم الى يومنا هذا الى اسرار هذا التحنيط الذى يحفظ الجسد الى الابد – وهذه العملية تحتاج الى اربعين يوما – وفى يوم الاربعين يعرض جسد الملك المسجى فى ميدان عام ويلتف الشعب حول هذا الجثمان المسجى ويتقدم كبير الكهنة ويركل بقدمه اليمنى راس الملك المسجى ويقول له- لقد كنت بالامس آمرا ناهيا فينا وانت اليوم لاحول لك ولا طول فهل يتعظ من يخلفك وهو ولى العهد الموجود والمستمع لهذه العبارات " ثم يسأل كبير الكهنة راى الشعب فى تقويم الملك بعد عرض اعماله  الايجابية والسلبية ثم يسأل الجمهور هل يدفن هذا الملك فى مقابر الملوك بفضل اعماله الصالحة أم يدفن فى مقابر الصدقة بسبب أعماله السيئة(4).
          وهذه هى اول رقابة فى التاريخ الانسانى لم تعرف الا فى مصر لمحاسبة ملوكهم وان كان هذا الحساب عند وفاتهم . 
خامساً :- الفرعونية
وهل يسوغ ان نتناول كلمة الفرعونية بمعنى الاستبداد والتسلط وهو الأمر الذى لا تعرفه مصر القديمة . حيث أن كلمة فرعون عرفت فى الأسرة الثامنة عشرة عندما توفى الملك تحتمس الثانى زوج الملكة حتسبشوت وتبين أن له طفل ذكر من إحدى محظيات القصر وسنه أربع سنوات وتولت حتشبسوت الوصاية على هذا الملك الطفل – ثم تراءى لرجال الكهنة أن تكون حتشبسوت هى الملكة لأنها ملكة وأمها كانت ملكة وأبوها كان ملكا فقبلت ولاية العرش دون هذا الطفل وكانت تقاليد الحكم ان تقوم الملكة أو الملك بالإعلان عن سياستها فى حكم البلاد حيث التوحيد والوحدة بين الوجهين ورعاية المواطنين وغير ذلك من السياسات فكانت حتشبسوت تُقــدَّم بـــهذه الخطــابــات ثــم تراءئ لصديق لــها هو بانى مـعبدها المعروف فى الأقصر ( طيبة )بأسم الدير البحرى  أن تذكر الملك الصغير عند تقديمها بذات الخطبة حتى لا يثور القصر وإرضاء لمشاعر المواطنين – فقبلت هذه النصيحة وقدمت الملك الصغير بذات الكلمات بعد تقديمها للملكة – ثم حدث أن شكا القارئون من تكرار الكلمات والخطأ فيها فاقترحوا عليها أن يستعملوا كلمة  البيت المالك وهى تشمل الملك الطفل والملكة حتشبسوت دون الحاجة إلى تكرار الخطاب ، والبيت المالك باللغة المصرية القديمة هى كلمة برعا ثم حرفت إلى فرعا – ثم الى فرعون وهى عبارة لا تعنى إلا البيت المالك دون أثر للاستبداد أو التسلط أو القهر – على خلاف ما نقول به ولا مكان فيها للقهر أو التسلط . 
          ومن هذه الملامح يحق لنا القول ان الديمقراطية بمعنى حكم الشعب  وتقييد سلطة الملوك لم تعرف فى العالم القديم إلا فى مصر وهى أول دولة فى التاريخ الانسانى تسائل ملوكها عن أعمالهم وإن كانت هذه المساءلة بعد وفاتهم-  وما ذكره الفلاح الفصيح على نحو ما سبق يؤكد أن حقوق الإنسان والمبادئ الدستورية قد صار تعميقها فى قلوب وعقول العامة من الناس فما تناوله هذا الفلاح في شكواه ليس إلا خلاصة مبادئ حقوق الإنسان والأصول الدستورية التي نحرص اليوم على إعمالها وتفعيلها وأن المساواة والعدل والاستقامة قواعد مستقرة فى أعماق المواطن العادي - كما أن الحرية والعدالة والمساواة والحكمة والمحبة والتكافل والسلام بين المواطنين واحترام الآخر هي المبادئ الدستورية الأساسية التي عاش عليها المواطن المصري في عصوره القديمة  وأن ما أشيع خطأ بأن الديمقراطية مصدرها اليونان حيث مدينة أثينا – فإن ذلك تحريف للتاريخ ذلك أن العصر اليونانى الذى نشأت فيه كلمة الديمقراطية بمعنى حكم الشعب- كانت فى النصف الاخير من الالف السابقة  على ميلاد المسيح وقد دعا اليها الفلاسفة اليونانيون من أمثال ارسطو وأفلاطون وفيثاغورث وغيرهم من فلاسفة اليونان وماهم إلا تلاميذ من تلاميذ مصر حيث تلقوا علمهم فى مصر داخل المعابد المصرية التى كانت بمثابة الجامعات فى ذلك الزمان - فقد درس ارسطو فى مصر قبل عودته الى اثينا ثلاث سنوات وظل فيثاغورث يدرس فى مصر ست سنوات وظل افلاطون يدرس فى مصر خمس سنوات وهكذا سائر الفلاسفة اليونان هم من تخرجوا واكتسبوا معارفهم فى مصر ولما عادوا الى بلادهم صاغوا هذه الافكار المتقدمة عن الحكم وعلاقة الحكام بشعوبهم – غير أنهم لدى عودتهم الى اليونان بما اكتسبوه من علم فى مصر - كانت مصر مع الاسف قد صار احتلالها من جانب الفرس سنة 525  قبل الميلاد حيث انطفأت شعلة العلم فى مصر   وصار إهمال مصر والمصريين - وخضعت لحكم المحتلين  الاجانب وظلت كذلك فى عصور الاحتلال التالية فلم يذكرها باحث  ومع ذلك فإن اليونان أصحاب الديمقراطية المنقولة عن مصر لم تشأ تجعل الشعب هو صاحب الحق فى الحكم بل اختصرت الشعب فى الاعيان وعلية القوم مستبعدة النساء والشباب والفقراء – بينما مصر القديمة لم تعرف هذه التفرقة واعتبرت الشعب بكل طوائفه هو مكونات الشعب ولم تميز بين المرأة والرجل بدليل تولى حكم مصر القديمة 18 امرأة وتولت المرأة وظيفة رئيس الوزراء وبعض الوزارات وإدارة بعض الأقاليم وإدارة الأموال الخاصة الملكية وغيرها من المهمات وظلت مصر منذ هذا التاريخ فريسة لحكم الغزاه سواء بعد الفرس  حيث الاسكندر الاكبر ثم البطالمة والرومان من بعدهم ثم العرب والعثمانيون والمماليك ومحمد على حتى قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952 ومكنت المصريين من حكم أنفسهم بعد غياب استمر مايقرب من الفين وستمائة سنة والمصريون يحكمهم الاجانب ويستبدون بمقدراتها ويعصفون بشعبها سواء عن طريق الضرائب والسخرة والفقر والجوع والحرمان من الوظائف العامة وسائر الحقوق الاساسية للانسان - ويكفى أن نذكر مصداقاً  لذلك أن أول مصرى فى العصر الحديث يرقى الى رتبة  عقيد فى الجيش المصرى  بعد ان كان محظورا  على المصريين العمل كضباط بالجيش منذ أنشأه محمد على فى بداية حكمه وصرح أخيرا قبل موته بأنه يمكن للمصرى أن يكون ضابطا برتبة ملازم ثم صرح أبناؤه من بعده أن يكون للمصرى أن يصل الى رتبة عقيد ويعتبر عرابى هو أول مصرى يصل الى هذه الرتبه -   غير أنه لاحظ أن عليه أن يحصل على أوامر ضباط أتراك فى الجيش المصرى وهم من بيدهم أمره  وأمر سائر العسكريين وان كان هؤلاء الضباط الاتراك أقل منه رتبه فالضابط التركى فى الجيش المصرى وهو برتبه نقيب يأمر العقيد اذا كان مصريا -    وهو أمر أغاظ أحمد عرابى  إذ كيف له ان   يخضع لأوامر ضباط أدنى منه رتبه لمجرد أنهم أتراك ، فتراءى له أن يأخذ كتيبته ويتوجه بها إلى الخديوى توفيق شاكيا هذه المعاملة وقال للخديوى إننا نريد جيشا مصريا بحيث لا يتحـكم فينا ضابط تركي أدنى منا رتــبة -  فـما كـان مـن الخديوى إلا أن قــال لـه " هل نسيتم أنكم عبيد إحساناتنا " وأمر بحبس الكتيبة وقائدها وأودع عرابى ورجاله فى السجن بأمر الخديوى توفيق -  ولقد تمكن بعد ذلك ضابط مصرى برتبه مقدم هو المقدم محمد عبيد باختراق السجن والافراج عن عرابى ورجاله – وكانت صحوة حركت مشاعر المصريين وقامت الثورة العرابية   تطالب باستحقاقات المصريين فى وطنهم ولكن الخديوى أخمدها بمعاونة الانجليز الذين احتلوا البلاد بعد ذلك .  وكذلك أيضا كان  الملك فؤاد كان يصف الزعيم سعد زغلول بانه فلاح خرسيس وكلمة خرسيس تعنى فى اللغة التركية حقير فاذا كان الملك وهو ليس ابن التراب الوطنى يرى أن زعيم الامة هو حقير فماذا تكون رؤيته للفقراء والمساكين المصريين على كثرتهم- ويكفى أن اسرة محمد على وقد كان عاملاً معدما اشترى له صاحب المحل الذى يعمل لديه فى تجارة الدخان اشترى له بندقية ليتمكن من الانضمام الى الكتيبة التى اعتزم الخليفة ارسالها الى مصر بعد أن تركها نابليون وحملته الفرنسية كى تظل مصر تابعة للخليفة العثمانى و يكفى ان محمد على هذا واسرته بعد حكم مصر 148 عاماً خرج الملك فاروق واسرته وهى تملك 2 مليون فدان فى مصر وتملك 180 قصرا داخل مصر وخارجها بينما الفقراء والمعدمين يمثلون الغالبية العظمى من المواطنين  .
          وهذا يدل على مدى عسف الحكام الاجانب بالمصريين طول 2600 سنة – ومن أسف ان المصريين عندما تولوا حكم بلادهم بعد ثورة 23 يوليو التى حققت هذا الامل ساروا بنفس الطريقة التى كان الحكام الاجانب  يتبعونها فى حكم البلاد حيث الثراء والتميز و التعالى والثروات التى لا حدود لها على حساب الفقراء والمعدمين الا قليلا منهم – وهو مانسأل الله ان يستعيد المصريون الكرامة والعدالة الاجتماعية والمواطنة الحقه القائمة على المساواة وعدم والتمييز واعتبار الكفاءة هى المعيار الوحيد لتفوق المواطن .  
          وبسبب غياب هذه القيم انفجرت ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011 يسعى الشعب من خلالها الى تحقيق هذه القيم الاساسية التى اخفق الحكم المصرى فى تحقيقها للمصريين حيث انتفت العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية وغياب الموضوعية والكفاءة فى معظم القرارات التى تصدر عن الدولة - التى يتأسس معظمها على المجاملة والعلاقات الشخصية ومدى الصلة بالسلطة من أجل ذلك فإننا - ندعو الى العمل لاستعادة هذه القيم حيث تستعيد مصر مكانتها فى العصر الحديث بعد غيابها مايقرب من ثلاثة الاف سنة وهى الدولة الأولى فى التاريخ الانسانى التى عرفت الكتابة والقلم والحق والعدالة والمساواة  وأصول المبادئ الدستورية وحقوق الإنسان  .  
          ومن أسف اننا حتى هذا الزمان نفتقد الحق والعدل والاستقامة التى بشرتنا بها السماء على يد النبي إدريس والمبادئ الدستورية التى ترسخت في العصور المصرية القديمة  .
          ومــن يطالــع كتاب تاريخ الطب المصرى القديم الذى الفة عميد كلية طب فرنسا(5) فى تلك السنوات الخالية يقف على درجة التقدم العلمى بلغتها الحضارة المصرية القديمة إذ عرض فى هذا المؤلف جميع أنواع الأمراض وعلاجها سواء فـى مجـــال المخ أو الصـدر أو القـلب أو الكبد أو الكسور فــى كــل أنــحاء الجــسد وانتهى هذا المؤلف إلى أن طب مصر فى  عصورها القديمة يماثل طب فرنسا فى القرن التاسع عشر وهى اشارة الى عظمة التقدم العلمى فى هذا المجال .
          بل ان مصر فى مجال الفلك لم تسبقها دولة فى هذا العلم وحددت الجهات الأصلية الأربع حيث بناء الهرم الاكبر مطلا فى  كل جهة منه  على اتجاه من الاتجاهات الاربع وجعلوا الهرم فى ارتفاعه 145 متر وهى نسبة بين الشمس والارض نسبة واحد على مائتى مليون من تلك المسافة - وتمكنوا من ضبط ضوء الشمس ليشرق على وجه الملك فى يوم ميلاده وهى معلومات غير مسبوقة ولا يمكن اللحاق بها فى أى من الأمم القديمة  وفى مجال  الهندسة والتشييد لم تعرف اى حضارة من الحضارات مبنى استمر تواجده كاملاً وراسخا أكثر من خمسة آلاف سنة سوى المصريون وحدهم حيث الاهرامات بالجيزة وغيرها من الآثار الشاهدة على ذلك  .
          لقد سبقت مصر الدنيا فى إنشاء قضاء حكومى يفصل فى المنازعات بين الناس وكان هذا القضاء على درجتين ابتدائى واستئنافى وعرفت أن الجريمة عندما تقع لا تصيب المجنى عليه وحده وانما تصيب المجتمع أولاً ومن ثم انشأوا وظيفة النائب العام وهو المسمى باللغة المصرية القديمة نٍحم والعجيب ان الشريعة الاسلامية وقد اشارت الى هذا المعنى بقولها من قتل انساناً بغير الحق أو فساداً فى الارض فكأنما  قتل الناس جميعا وبذلك فان الجريمة عندما تقع تصيب المجتمع أولاً ثم المجنى عليه – ثانياً  ومع ذلك فى 1883 أخذنا نظام النائب العام من فرنسا دون العلم بأن مصدر هذا النظام هو مصر القديمة ولم يلتفت اليه حتى فقهاء الشريعة الاسلامية فأورد الفقهاء الشرعيون بيانا عن اصحاب الولايات والسلطات وليس منها النائب العام أو المدعى العام فتحدثوا عن الوالي والقاضي والمحتسب دون غيره من الولايات كالنائب العام .
          والكثير والكثير من فروع العلم والمعرفة التى لم يسبق مصر فيها سابق فى انحاء العالم وليس عبثا أن تقرر كل الدول العظمى فى هذا الزمان اقامة أكاديمية لدراسة المصريات سواء فى بريطانيا أو فرنسا أو أمريكا أو المانيا وهذه شهادة على عظمة مصر وسبقها العالم فى كل المجالات وخاصة حقوق الانسان ومن ثم اطلقوا عليها أم الدنيا وهى بحق أم الدنيا حيث لا يمكن الكتابة القيمة فى أى موضوع إلا بالرجوع إلى الاصول المصرية فهذه بداية هذه المعارف وأصولها .
           فهل هذه الانجازات العلمية والحضارية قامت فى ظل القهر والتسلط على أساس الفرعنة ؟  كلا  فهذا أمر مستحيل حيث لا يلد القهر حضارة او تقدما بل ياتى فقط بالتخلف والانحطاط فبلاد العالم كثيرة ولأن حكامها يقومون على التسلط والقهر ومن ثم لم تترك اثراً من وراء هذا القهر يمكن للتاريخ ذكره  .
أما فى مصر فالآثار العلمية والحضارية كثيرة لا حدود لها وهى لا تقوم إلا من خلال حكم رشيد وكرامة انسانية يلتزم بها الحاكم فى مواجهة المحكومين –  وهذه هى القواعد الدستورية للحكم فى مصر القديمة كأول شعب اقر بحقوق الانسان وقيد سلطة الملوك لحساب الشعب  وهى حقيقة تشهد لصالح التاريخ المصرى القديم  ، وبالتالى ليس غريباً أن تكون مصر هى اسبق شعوب العالم فى مساءلة الحكام حيث يعرض عمل الملك بعد مماته وتحنيطه على الشعوب ليقول كلمته فى شأن الملك فان كان صالحا لشعبه حرصوا على دفنه في مقابر الملوك وإلا دفنوه فى مقابر العامة – وكما سبقت الاشارة وهى حضارة غير مسبوقة فى شعوب الارض ، فإذا كانت كلمة الديمقراطية اصلها اليونانى بمعنى حكم الشعب وقد نقلها فلاسفة اليونان عن مصر التى تعلموا منها وقرءوا دور الشعب فى مواجهة الحكام غير أن مصر التى أسست حقوق الشعوب وعاشت عليها بعد غزوها من الفرس سنة 525 قبل الميلاد صار نسيان دورها وانفردت أثينا بالحديث عن دور الشعوب في مواجهة حكامهم - وإذا ما تأملنا الوثائق المصرية القديمة نجد أنها أول حضارة فى التاريخ الانسانى قننت العقد الاجتماعى واقامت قواعد دستور يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكومين فاذا تأملنا وثيقة الخطاب التاريخى لأول ملك مصرى بعد التوحيد الأخير حيث الملك مينا كما سبق نجد أن هذه الوثيقة تقوم على مبادئ دستورية هامة تحرص الشعوب على التمسك بها اليوم وقد صدرت من آلاف السنين تؤكد المبادئ الدستورية المعاصرة وتحمى حقوق الإنسان على نحو ما تحرص الأجيال فى هذا الزمان وهو سبق دستورى لمصر القديمة وهى مبادئ دستورية سابقة على جميع شعوب الارض حيث لم تعرف فرنسا مثلا قيمة العدل والمساواة الا بعد الثورة الفرنسية سنة 1797 ميلادية . وعلى ذلك تكون هذه المبادئ الدستورية هى الأولى فى التاريخ الانسانى وقد كانت هذه القواعد الدستورية مطبقة فى الواقع المصرى بدليل ماذكره الفلاح الفصيح للملك عندما شكاه وشكى عماله اليه بسبب اساءتهم له   .  وفى الوثائق المصرية القديمة التى أشرنا إليها آنفاً ما يؤكد ذلك فاستعمال كلمة الفراعنة والفرعنة فى معنى التسلط والقهر أمر خاطئ فإن مصر القديمة بريئة  منه على الإطلاق  حيث لا يمكن لهذه الحضارة أن تسود وتنمو فى ظل القهر والتسلط وكلمة الفراعنة وكلمة الفرعون لا تعنى الا البيت المالك فقط دون قهر أو تسلط كما سبق وذكرنا  .
          وعلى ذلك فإن المبادئ التى أرساها ملوك مصر القديمة واستقرت فى أعماقهم حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مبادئ عامة الناس فيها على نحو ماذكره ذلك الفلاح الفصيح الامر الذى يقطع بأن مصر هى منشئة لمبادئ الحرية والعدالة والمساواة وبصفة عامة المبادئ الانسانية الخاصة بحقوق الانسان فى أرض مصر القديمة وعلى يد ملوكها وشعبها حيث لم يسبقها فى ذلك سابق على الاطلاق فى أي شعب من شعوب العالم . 
                                                                             د . عماد النجار

 

1) سورة مريم  آية 56
2) موسوعة التاريخ المصرى القديم للدكتور سيد كريم
3) موسوعة التاريخ القديم للأستاذ الدكتور/ سيد كريم
(4 ) الأستاذ الدكتور/ محمود سلام زناتى تاريخ القانون فى مصر القديمة
5) د . برونو اليوا ترجمة الأستاذ / كمال السيد إصدار المجلس الأعلى للثقافة والمشروع القومي للترجمة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق